vendredi 25 février 2011

الاسلام احسن دين

وللمسلمين يومُ عيدٍ أسبوعي، وهو يوم الجمعة الذي فرض الله تعالى فيه على كل مكلف من رجالهم، حضور خطبتيه وصلاته، حيث يعلو خطباء الجوامع الكبيرة والصغيرة في القرى و المدن و الأحياء المنابر، أمام الجموع الحاشدة، لتذكيرهم بكل ما يحتاجون إليه في حياتهم، من أمر الإيمان والعبادة والأخلاق والحلال والحرام في المعاملات، والشئون السياسية والعلاقات الدولية، مبنية كلها على كثير من آيات القرآن الكريم والسنة النبوية وما استنبطه منهما علماء الإسلام.
فلا ينزل خطيب من على المنبر في شرق، إلا صعد خطيب آخر على منبره في غرب، اليوم كله تذكير وصلاة...
إنها مظاهرة مشروعة في يوم واحد وفي كل مكان من الأرض لنصر هذا الدين وجمع كلمة المسلمين على الحق، وتفقههم في دين الله، لا يستطيع أحد أن يمنعها...

وفرض الله علي المسلمين جميعا فرض عين على كل قادر صيام شهر رمضان كله، لذلك ترى المسلمين في هذا الشهر المبارك، جميعا صائمين نهاره، تجتمع أسرهم في المنازل لتنال وقت الإفطار ووقت السحور، في غاية من الفرح والحبور، يتسابقون في مناولة أحدهم أخاه حبات التمر أو لقمة العيش، وفنجان القهوة...
وهكذا تجد جماعاتهم في المساجد عند أذان المغرب، يمدون موائدهم ويقربون تمرهم وقهوتهم وأطعمتهم، ويتنافسون في استضافة المصلين على مشاركتهم في الإفطار معهم...
والذي يرى اجتماع المسلمين في المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، على تلك الموائد التي يبدأون في إعدادها من بعد صلاة العصر، يسبي ذلك المنظر قلبه ويدهش عقله، وهم في غاية الصمت والخشوع رافعين أيديهم طالبين من ربهم العفو والمغفرة وقبول الصيام....

ثم تراهم بعد صلاة المغرب يتسابقون إلى منازلهم، ليستعدوا لصلاة العشاء وصلاة التراويح التي يختم فيها كثير من الأئمة القرآن الكريم في ليالي الشهر الكريم، يتلونه تلاوة تؤثر في القلوب وتغذي الألباب، فلا يخرج شهر رمضان إلا وقد تزود المسلمون منه زادا يربطهم بربهم بقية أشهر السنة.
إنه شهر تربية وتدريب وإيمان وتقوى وعبادة جماعية ذات أثر عظيم في جمع الكلمة والاعتصام بحبل الله والثبات على هذا الدين وقوة الصلة برب العالمين...

وفرض الله على الصائمين في ختامه حقا لفقرائهم، سميت بزكاة الفطر، لتكون طهرة لهم وغناء لإخوانهم المحتاجين، في يوم العيد الذين يفرحون فيه بتوفيق الله لهم بإتمام الصيام، فلا يفرح فيه الغني دون الفقير، ولا يترك الفقير فيه يتكفف لقمة عيشه وعيش أولاده

وإن العاقل إذا تأمل صلة المسلمين بربهم وبرسولهم وبدينهم، يجد الأرض معمورة بتلك الصلة في كل لحظة من لحظات الزمن ليلا ونهارا، في فصول السنة الأربعة.

فما إن يفرغ مؤذن في بقعة من الأرض من أذانه في الشرق القريب، إلا بدأ زميله في أذانه في الغرب القريب منه، كأبي ظبي مع لرياض، وهذه مع المدينة، والمدينة مع القاهرة، والقاهرة مع طرابلس، وطرابلس مع تونس، وتونس مع الجزائر، والجزائر مع الدار البيضاء، والدار البيضاء مع نواكشوط....
وقس على ذلك أصقاع الأرض في مشارقها ومغاربها...لا يزال المسلمون في أذان وإقامة وصلاة وذكر، لا يمكن أن يمر وقت خال من ذلك...وهو أمر لا يوجد لأي أمة من الأمم ولا دين من الأديان في كل يوم وكل ساعة وكل دقيقة ليلا ونهارا في الأرض كلها


لمن يتواطىء على محاربة دين الاسلام اعظم دين

وقد تواطأ غالب قادة الأديان على
محاربة هذا الدين وأهله، من يوم أشرقت شمسه في مكة المكرمة، وقامت دولته في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، إلى يومنا هذا، وسيبقون كذلك يحاربون الإسلام والمسلمين إلى أن تقوم الساعة.
كما أخبرنا الله تعالى بذلك في كتابه: ﴿وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة (217)]

وقد سبقت محاربتَهم للإسلام وكتابه ورسوله، محاربتُهم لغيره من الأديان، فقد حارب المشركون جميع رسل الله من عهد أول رسول أرسله الله إلى العالمين في عهده "نوح" عليه السلام إلى عهد رسول الله "عيسى" عليه السلام، وكفر اليهود بالإنجيل، كما كفر النصارى بالتوراة، وأجمعوا كلهم بالكفر بالقرآن....
وفيما قصه القرآن الكريم عن الأنبياء عليهم السلام وأممهم، وعن الرسول صلى الله عليه وسلم والمشركين العرب واليهود والنصارى، غناء لمن يريد الوقوف على ذلك الكيد وتلك الحروب الظالمة...
ولولا أن هذا الدين هو دين الله الخاتم الذي ختم الله به كل الديانات، ولولا أنه تعالى تكفل بحفظه الله له بحفظ مصدره ونصره لأهله على أعدائه، لولا ذلك لما بقي للإسلام أثر في الأرض، لكثرة أعدائه في الداخل والخارج، وشدة محاربتهم له...
وقد سبق ما يكفي في إيضاح كيد هؤلاء جميعا للإسلام والمسلمين

العبادات الجماعية التي تربط المسلمين

إن كل مسلم مسئول مسئولية فردية، عما كلفه الله تعالى من شريعته، ومع ذلك فقد شرع الله تعالى لعباده المسلمين، عبادات جماعية، يقوم بها المسلمون قياما جماعيا، سواء كان التكليف بها فرض عين أو فرض كفاية أو مندوبا...
وليس المقام هنا مقام تفصيل لبيان ذلك، وإنما المقصود بيان هذه العبادات الجماعية التي تربط المسلمين جميعا بربهم في تلك العبادات الجماعية...
فقد شرع الله تعالى للمسلمين عمارة الجوامع والمساجد المادية في مدنهم وأحيائهم، وشرع لهم عمارتها بذكر الله فيها، وبخاصة صلوات الجماعات خمس مرات في اليوم والليلة، وصلوات الْجُمَع الأسبوعية، التي ينادي المؤذنون فيها لكل صلاة من تلك الصلوات...
وشرع الله لهم أن يكون أئمتهم من القراء الذين يحفظون كتاب الله أو كثيرا منه، ويفقهون أحكام الله، فيسمع منهم المصلون في الصلوات الجهرية ما يقرؤون من كتاب الله، فيتدبرونه وينتفعون به..
وسماع المسلم كتابَ الله يُتلى عليه، وهو بين يدي ربه متجهٌ إليه خاشعٌ له، يختلف عن سماعه في غير هذا الموقف، لأنه قد استعد في هذا الموقف للاستماع المفيد، والإنصات الواجب، وتدبر من ألقى السمع وهو شهيد...
والمسلم في هذه الحالة العبادية الخاشعة الراغبة الراهبة، شديد البحث والتفتيش عن نفسه في آيات كتاب ربه، ليعرف أين هو فيها من النواحي الإيمانية والعبادية والأخلاقية، والاجتماعية، والفقهية والدعوية، أين هو من رضا ربه أو سخطه...
وهل يتصف بصفات من رضي الله عنهم من المؤمنين، أو بصفات من سخط الله عليهم من الكافرين والمنافقين، وهل صلته بالله تؤهله لدخول الجنان أو لعقاب ربه في النيران...

ويتدبر ذكر ربه المشروع في قيامه وركوعه وسجوده وقعوده، فيمتلئ قلبه حبا لله ورغبة فيما عنده وخوفا ورهبة من قوته وجبروته، وطمعا في عزته ونصره على أعدائه، فلا يخاف إلا الله ولا يطلب العزة إلا من مولاه، فلا يخرج من صلاته إلا وقد تحقق له الهدف من إقامتها والحكمة من أدائها:
﴿ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ الْكِتَابِ وَأَقِمْ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾ [العنكبوت (45)]

استعصاء الاسلام

استعصاء الإسلام

المقصود باستعصاء الإسلام، ثباته ورسوخه وامتناعه عن الاستئصال والذوبان في أي حضارة من حضارات الأمم، مهما بلغت من القوة المادية والهيمنة الجبروتية.
ويعود استعصاء هذا الدين على أعدائه، إلى عوامل وأسباب، نجملها فيما يأتي:

العامل الأول: أنه حق يحمل في ذاته أسباب بقائه، وفيه من المناعة القوية الذاتية ما يدفع به كل عدوان بقصد القضاء عليه واستبدال غيره به، أو ذوبانه في غيره.

العامل الثاني: حفظ الله تعالى مصدره، وهو وكتابه الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
كما قال تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر9 (

وهيأ الله تعالى لحفظ سنة نبيه من حفظها وبين صحيحها من ضعيفها، بمعرفة رواتها من لدن الرسول صلى الله عليه وسلم إلى دونت في أسفار علمائها التي لا يعجز طالب العلم من معرفة الصحيح والضعيف منها.

وحفظ نصوص القرآن والسنة إلى يوم القيامة، يضمن للأمة الإسلامية الرجوع إليهما، لتصحيح ما قد يطرأ من شوائب وانحرافات في سلوكها، ورد ما قد يحاول أعداء هذا الدين، من إدخال ما ليس منه فيه، وهذا ما لا يوجد في غيره من الكتب السابقة التي حرفها أهلها وكتموا ما بقي فيها من الحق. .

وهاهو القرآن الكريم قد حفظه الله، فلم يغير منه حرف أو كلمة مع طول المدة من يوم نزوله إلى الآن، وسيبقى كذلك إلى يوم الدين، ولهذا لا تختلف نسخ هذا المصحف الكريم أينما وجد، فالمصحف الموجود في طوكيو هو هُو الموجود في نيويورك، وهوُ هو الموجود في أوسلو وسدني، وموسكو وبريتوريا...

ومن أسباب حفظه أن آياته كلها كتبت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يمت إلا بعد أن كتبـت آياته بأمره في مواضعها التي عينها هو لكتابتها، ثم هيأ الله أصحاب نبيه فجمعوه في مصحف واحد ووزعوا نسخه في الأقطار الإسلامية في عهدهم... وهذه ميزة لم تحصل لأي كتاب من الكتب السابقة
مشروعية ارتباط المسلمين الدائم بربهم ورسولهم ودينهم، فلا يمر وقت من الأوقات على المسلم يكون فيه بعيدا عن ربه وذكره وعبادته...
فارتباط المسلم بربه مستمر دائم في كل لحظة من لحظات عمره، بل هو على صلة دائمة به: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) ﴾ [الأنعام]
فهو يصلي كل يوم وليلة خمس صلوات مفروضة، في أوقات محددة موقوتة، ليس له أن يتقد عليها أو يتأخر بدون عذر شرعي، وهو مأمور بالطهارة الكبرى والصغرى لكل صلاة منها...هذا عدا نوافل الصلاة المؤكدة وغيرها مما لا حصر له منها...

وهو يصوم شهرا كاملا في السنة فرضا لا يسقطه عنه سقوطا مؤقتا أو مطلقا إلا عذر شرعي...هذا عدا نوافل الصوم التي أفضلها صوم يوم وإفطار يوم على القادر في عمره كله.. وهناك أيام محدودة في الأسبوع وفي الشهر وفي العام يشرع للمسلم صيامها...

وهو يحج حجا مفروضا عليه مرة في عمره، لا يجوز له تركه إلا بعذر شرعي، وقد رغبه الله في الإكثار من الحج والعمرة ووعده بالثواب الجزيل على ذلك.

وهو يخرج زكاة ماله في أوقاته المحددة، لا يجوز له تأخير ذلك، وأمره الله تعالى بنوافل الصدقات والإنفاق مما رزقه الله، في كل ما يحقق الخير للإسلام والمسلمين...

وهو مأمور بذكر الله تعالى الواجب والمندوب، بحيث لا يزال لسانه رطبا بذكر ربه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (42)﴾ [الأحزاب

وهو مأمور بتعاطي ما أحل الله وترك ما حرم الله في كل تصرفاته، فلا يخلو المسلم في أي وقت من أوقاته من فعل طاعة أو ترك معصية.
فليس له أن يعصر خمرا ولا يبيعها ولا يعلن عنها ولا يسقيها ولا يملكها...
وليس له أن يصنع سلاحا أو يبيعه لمن يقتل به نفسا حرم الله قتلها مسلما كان أو غير مسلم بغير حق، ولا يتلف به مالا ولا حرثا ولا حيوانا ...
وليس له أن يبيع أو يشتري بيعا أوشراءا فيه غش للناس، وضرر بهم
وليس له أن يسرق مال غيره ولا يغتصب أرضه ولا يستحل عرضه ولا يطلع على عورات جاره...
فهو في كل حل من أحواله مرتبط بربه، لأنه يضبط جميع تصرفاته بطاعته وترك معصيته

في الجهاد رحمة

الأصل أن يقوم المسلمين بدعوة غيرهم إلى هذا الدين، ليتمتعوا برحمة الله في منهج حياتهم في الدنيا، ولينالوا رضاه ورحمته في الآخرة، تحقيقا لقول الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾
وأساس دعوتهم اللين والحكمة والموعظة الحسنة، كما أمر الله تعالى بذلك نبيهم، وأمره أمر لهم، فقال تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ [النحل(125)]

ولشدة حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على إيصال رحمة الله إلى عباده، رغب المجاهدين في سبيل الله في دعوة الناس إلى هذا الدين، ورَبْطِ دعوتهم برجاء ثواب الله الجزيل على هداية خلقه، كما في حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه، أنه صلى الله عليه وسلم قال لعلي رضي الله عنه، عندما أرسله إلى يهود خيبر:
(انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه، فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم) [صحيح البخاري (4/1542) و صحيح مسلم (4/1872)

الرحمة بالحيوان في الاسلام

وقد ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته بعض القصص المتعلقة بالرفق والرحمة بالحيوان، حضا لهم على تطبيق ذلك السلوك السوي الذي يحقق رحمة الله العامة بكل مخلوقاته في الدنيا.

ومن أمثلة ذلك: حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (بينا رجل يمشي، فاشتد عليه العطش، فنزل بئرا فشرب منها، ثم خرج فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي، فملأ خفه ثم أمسكه بفيه ثم رقِيَ، فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له. قالوا: يا رسول الله! وإن لنا في البهائم أجرا؟ قال: (في كل كبد رطبة أجر) [صحيح البخاري (2/833) رقم (2234) وصحيح مسلم (4/ص1761) رقم (2244)]

وصح عنه صلى الله عليه وسلم، أن الله غفر لامرأة بغي لسقيها كلبا اشتد عطشه
كما في حديث أبي هريرة: (أن امرأة بغيا رأت كلبا في يوم حار يطيف ببئر، قد أدلع لسانه من العطش فنزعت له بموقها فغفر لها) [صحيح مسلم (4/1761) رقم (2245)]

وإذا كان الله تعالى يغفر بعض كبائر الذنوب المسلم برحمة الحيوان والرفق به، فإنه تعالى يعذب من نُزِعت الرحمة من قلبه، فيعذب الحيوان، كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:
(دخلت امرأة النار في هرة ربطتها، فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض) [صحيح البخاري (3/1205) رقم (3140) وهو في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة (4/2110) رقم (2619

رحمة الله لمن يرحم الناس

ونفى الله تعالى رحمته عمن لم يرحم الناس، كما في حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه، قَال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يرحم الله من لا يرحم الناس) [صحيح البخاري (6/2686) رقم (6941) و صحيح مسلم (4/1809) رقم (2319)]
وهو نفي عام يدخل فيه كل الناس، والنفي هنا للوعيد والتحذير والتنفير من الغلظة والشدة والعدوان على الناس، ولا يلزم منه حرمان من فقد الرحمة الواجبة من رحمة الله له في الدنيا، بمنحه الرزق والصحة والقوة المادية والذرية وغيرها، سواء كان من المسلمين أو غيرهم، ابتلاء له وامتحانا، لأن رحمة الله في الدنيا تعم جميع خلقه.

ومن الأدلة على شمول رحمة لخلق أن جعل من يقوم على اليتامى، بالإنفاق والكفالة الشاملة التي يحتاجون إليها، شركاء لرسوله صلى الله عليه وسلم في الجنة، كما في حديث سهل عن الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: (أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا وأشار بالسبابة والوسطى)
وبين في حديث أبي هريرة أنه يستوي في هذه المنزلة من كفل يتيما من أقاربه أو من غيرهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كافل اليتيم - له أو لغيره- أنا وهو كهاتين في الجنة وأشار مالك بالسبابة والوسطى) [صحيح مسلم (4/2287)]
وهو يشمل كذلك يتامى المسلمين وغيرهم، كما تدل عليه صيغة العموم، لأن "أل" في اليتيم للجنس...

وأنزل صلى الله عليه وسلم، من اهتم بالمحتاجين، وبخاصة الأرامل والمساكين، منزلة المجاهدين في سبيل الله، والمجتهدين في التقرب إلى الله بما يرضيه من فرائض العبادات ونوافلها ليلا ونهارا، كما روى أبو هريرة قال قَال النبي صلى الله عليه وسلم: (الساعي على الأرملة والمسكين، كالمجاهد في سبيل الله أو القائم الليل الصائم النهار) [صحيح البخاري (5/2047) وصحيح مسلم صحيح مسلم 4/2286)]
وهذا السعي شامل لكل المحتاجين من المسلمين وغير المسلمين، وشامل كذلك لكل ما يحقق مصالحهم من طعام وشراب وكساء ومسكن وتطبيب ودفع ضر أو ظلم عنهم

شمول رحمة المسلمين

ورحمة المسلمين لا تحتص بهم فقط، بل هي شاملة لهم ولغيرهم من المخلوقات في الدنيا.
فقد أمر صلى الله عليه وسلم أمته برحمة كل من أوجده الله تعالى على هذه الأرض، من إنسان وحيوان.
كما روى عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، قَال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء...) [سنن الترمذي (4/323) رقم (1924) وقال: "هذا حديث حسن صحيح"]
والظاهر أن (مَن) الموصولة في قوله: (ارحموا من في الأرض) شاملة للإنسان مسلما أو كافرا، وللحيوان كذلك، وعلى هذا حمله العلماء.
أي الحض على استعمال الرحمة لجميع الخلق، فيدخل المؤمن والكافر، والبهائم المملوك منها وغير المملوك، ويدخل في الرحمة التعاهد بالإطعام والسقي والتخفيف في الحمل وترك التعدي بالضرب
وقد وردت أدلة أخرى يدل عمومها على أن هذا الشمول مقصود، فقد وصف الله تعالى المؤمنين بالتراحم بينهم، كما قال تعالى: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾ [الفتح (29)]
والكفار الذي يكون المؤمنين أشداء عليهم، هم المحاربون لهم المعتدون عليهم، الذين يقاتلونهم ويخرجونهم من ديارهم، أو يدعمونهم على ذلك ويظاهرونهم، كما هو حال اليهود في فلسطين، وحال قادة أمريكا في مظاهرتهم، وحال هؤلاء في عدوانهم على البلدان الإسلامية.
قال تعالى: ﴿لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (9)﴾ [الممتحنة